مقتطفات من مقال فهمى هويدى-الاهرام 24/1/2006
الانقلاب الذي حدث في حزب الوفد سبقته انقلابات وانشقاقات شملت الأحزاب التالية: مصر الفتاة ـ العمل ـ الأحرار ـ الوفاق ـ العدالة ـ الغد.
وإلي جانب ذلك, ثمة تصدع مكتوم في الحزب الناصري, عبرت عنه أزمة صحيفته( العربي) التي انفرط عقد رئاسة تحريرها, وتجلت في الاستقالة الاحتجاجية التي قدمها أمين الحزب في أسيوط, وهو أحد أركان الحزب المهيمن. وهناك تصدع مماثل في داخل حزب التجمع, عبر عنه الذين شاركوا في ندوة مستقبل اليسار في مصر, التي عقدها مركز الدراسات الاشتراكية بالقاهرة في الأسبوع الماضي, واتهم الصوت العالي في الندوة قيادة الحزب بخذلان اليسار وتشويه صورته.
الصورة من هذه الزاوية مقلقة للغاية, حيث نصبح بازاء مفارقة تبدو فيها الساحة المصرية مكتظة بالأحزاب(21 حزبا رسميا), في حين يعاني نصف تلك الأحزاب من الإعاقة والتشوه الخلقي, بينما يعاني النصف الآخر من التصدع الظاهر أو الخفي, ولا يظل واقفا علي قدميه في الساحة سوي الحزب الوطني محمولا علي أكتاف السلطة. وفي مقابله يقف الإخوان المسلمون مستندين إلي التأييد الشعبي النسبي الذي أوصل88 منهم الي مقاعد البرلمان, برغم افتقادهم إلي الشرعية القانونية.
لماذا أصبح التشرذم والانشقاق ظاهرة في الأحزاب المصرية؟
1 ـ أن ظهور الأحزاب ظل مرهونا بإجازة السلطة, التي أناط بها القانون عملية اختيار منافسيها أو معارضيها. ولأنه قرار السلطة, فإن عوامل متعددة باتت تتحكم في ظهور الحزب أو حجبه, تسهم فيها اعتبارات الملاءمة السياسية والأمنية إلي حد كبير, وليس بينها قواعد الحزب أو شعبيته. وهو ما أفرز أحزابا رصيدها لدي السلطة أكبر من رصيدها في المجتمع.
2 ـ أن قانون الأحزاب الذي خول السلطة حق التحكم في مفاتيح ومفاعيل الحياة السياسية, كبل الأحزاب إلي حد كبير. فلم يسمح لها بممارسة أي نشاط خارج مقارها إلا بموافقة أجهزة الأمن. الأمر الذي حد من نطاق حركة الأحزاب, وجعلها في نهاية المطاف تخاطب نفسها بأكثر مما تخاطب المجتمع, مما أسهم في إعاقة نموها وتقزيمها.
3 ـ أن الانشقاقات التي تكررت في الأحزاب لم تكن دائما ناشئة عن خلافات داخلية بين اعضائها, وإنما كانت للعوامل الخارجية دورها فيها أيضا, وإن شئنا ان نتصارح في هذه النقطة فلا مفر من الاعتراف بأن السلطة لم تكن بعيدة عن أغلب تلك الانشقاقات, التي كان افتعالها يرتب لإقصاء بعض العناصر المشاغبة, واستبدالها بآخرين من الموالين أو المتعاونين.السيناريو المتبع في هذه الحالة كما يلي: يدفع أحد الأشخاص إلي اعلان التمرد والانقلاب علي قيادة الحزب, وتنصيب نفسه قيادة بديلة الأمر الذي يثير حفيظة القيادة الأصلية. ويحدث تنازع بين الطرفين حول المقار والادارة, فتتدخل أجهزة الأمن ولجنة الأحزاب لفض النزاع, الأمر الذي يؤدي إلي الانحياز الي القيادة المطلوبة, أو إلي تجميد الحزب والخلاص من الصداع الذي يسببه.
كان حزب مصر الفتاة أول ضحايا هذا السيناريو في سنة1992, ولكن الذي أحبط الانقلاب بصورة نسبية, حكم أصدره المستشار طارق البشري الذي كان رئيسا لمحكمة القضاء الاداري آنذاك, قضي فيه ببطلان تدخل لجنة الأحزاب في مثل هذه الصراعات, باعتبار أن اختصاصها ينحصر في الموافقة علي تأسيس الأحزاب فقط, أما الانحرافات التي تحدث فيها فنظرها يختص به القضاء وليس اللجنة, لكن الأمر اختلف مع حزب العمل,ربما لأن الصداع الذي سببه كان أكبر. إذ جري تحريك عناصر الانقلاب في سنة2000. وتم تدخل الشرطة بسرعة, التي منعت الدخول الي مقر الحزب بحجة الفصل بين المتنازعين, ومن ثم تجميد الحزب وأوقفت صحيفة( الشعب), ولاتزال محجوبة برغم صدور14 قرارا قضائيا لصالح استمرارها.
ولا حل لذلك الاشكال الا برفع وصاية السلطة علي الحياة السياسية, عن طريق إلغاء لجنة الأحزاب المبتدعة, ليعود الحال إلي ما كان عليه قبل الثورة ـ والمعمول به في مختلف الديمقراطيات ـ بحيث يتم تعويم الأحزاب إذا جاز التعبير. فتنشأ بتوافق ارادة الأطراف المعنية, ويترك مصيرها للمجتمع. وليس أدل علي فساد الدور الذي تقوم به اللجنة من أن كل الأحزاب التي أجازتها سقطت في اختبار الانتخابات التشريعية الأخيرة, في حين أن الناجح الوحيد( بعد الحزب الوطني بطبيعة الحال) كان الإخوان المسلمين الذين لا تعترف لجنة الأحزاب بشرعيتهم.
لقد شعرت بالحزن والغيرة حين وجدت وسائل الاعلام تتحدث عن خمسة مرشحين أقوياء لخلافة شارون بعد غيابه عن الساحة, إذ حين أدرت البصر من حولي حضرني بيت الشعر الذي يقول: أني لأغمض عيني ثم أفتحها ... علي كثير ولكني لا أري أحدا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق