د. محمد جمال حشمت-المصريون 28/1/2006
أشعر بكل أسف أن مصر التاريخ المشرف والأمة الناهضة التى تمد أيديها لكل محتاج والصخرة التى وقفت فى وجه كل غاصب ومعتد على أرضها و أمنها ,الحامية لأمتها من العدوان والغزو , كأنها ترمى بكل هذا التاريخ خلف ظهرها والسبب فى ذلك حكام هذا الزمان الذين تجاوزوا كل الأعراف وجعلوا من مصر أضحوكة العالم واكتفوا بالحديث عن عظمة مصر وريادتها بينماهى تنهار أمام نزوات الأبناء وشهواتهم و المقربين وسفاهتهم لذا فقد حصدت مصر فى عهدهم كل الأصفار وللعجب فى كل الميادين من سياسة وإقتصاد وتعليم وإعلام وثقافة ورياضة وفنون حتى الأزهر ورمزيته الدينية التى إنهارت على يد شيخه الذى افتقد نعمة الإحساس بجلال المنصب وجعل نفسه موظفا ملكيا أكثر من الملك ورغم إستسلامه لمخبر الأمن وتعليماته إلا أنه قد تجاوز كل الخطوط الحمراء لكسب رضا الحاكم ونظامه والغرب وزعمائه وهو لايدرك أنه الخاسر الأكبر لا الإمام الأكبر !! حتى رجال الأمن فى أحد حوراتى معهم قالوا أنه- بالنسبة لهم- ورطة لايمكن التخلص منها !! أضف إلى ذلك أن التلوث الذى أصاب الحكام وزبانيتهم قد إنتشر فى أرجاء البلاد فطال الماء والهواء والغذاء والضمائر بل وجدت هذه الضمائر الميتة من يحميها ويدافع عنها لذا ليس عجيبا ولاغريبا أن نرى:
1-أن الفلسطينين الذين يعيشون تحت الإحتلال يستمتعون بحريتهم فى إختيار نوابهم بينما مصر التى تخاطب العالم بأن يحترم خيارات الشعب الفلسطينى لاتحترم هى خيار شعبها وتقتل 14 ناخبا وتصيب أكثر من2500 أخرين وتمنع الآلاف من دخول اللجان وتأمر بعض القضاة لتزوير النتائج بكل فجور وبدم بارد - ويخرج علينا من سرق المقعد والمفكر الذى حرم من التركيز والتفكير السديد فى أهرام الجمعة بعتاب أمريكا التى تطالب بالإفراج عن أيمن نور من سجون مصر بينما هو وحكومة مصر لايفكرون فى المصريين القابعين فى سجون أمريكا فى جوانتامو ولايطالبون بالإفراج عنهم !!
2-أن المعتقلين من الإخوان الذين أفرج عنهم بعد أكثر من شهرين فى سجون الظلم قد تم القبض على البعض منهم بصورة غير إنسانية فهذا مدرس تم القبض عليه من داخل الفصل أمام تلاميذه وذاك طبيب جراح بعد أن أعطى مريضه حقنة التخدير نسى خيطا مخصوصا جلبه لمريضه فخرج لإحضاره من سيارته ولم يعد الى غرفة العمليات إلا بعد شهرين !! وذاك –أى والله العظيم – شاب إقتحموا منزله وغرفة نومه وهو يعاشر زوجته !!!! وكلما تذكر ذلك بكى وحق له أن يبكى فقد سرق منا الآمان والرزق والكرامة لقد سرقت منا مصر !!
3-أن الشائعات قد وجدت لها أرضا خصبة فى دولة فقد أهلها الثقة فيمن يحكمهم فأمس تسرى شائعة بتلوث المياه وأخرى بتطعيم شلل الأطفال الفاسد ووفاة أطفال واليوم إنتشار شائعة بوجود مرض أنفلونزا الطيور وكلها شائعات غير صحيحة تفسد على الناس حياتهم الإجتماعية والإقتصادية لقد كان من المفترض فى ضوء غياب أنفلونزا الطيور المزعوم هذا من مصر أن تزدهر صناعة الدواجن التى تستحوذ على أكثر من 20 مليار جنيه ويعمل بها حوالى 5 مليون عامل بل وتصدر مصر الآمنة للدول الأوربية والأسيوية ولكن صمت حكومى يعقبه إفلاس وخراب بيوت المصريين هو المتوقع بينما النظام غافل عن حياة الشعب ,مشغول بكيفية مواجهة المعارضين وطرق الإستمساك بالسلطة والإستمرار فى الحكم !!!
4-أن الملايين والمليارات تنفق ببذخ فى غير ذات نفع أو فائدة تعود على الشعب المصرى بينما البطالة تنهش كرامة المصريين والتلوث ينهش أرواحهم ومازالت التقارير الحكومية تعترف بأن 68% من مدن مصر و96% من قرى مصر محرومة من الصرف الصحى مما أدى الى تلوث المياه الجوفية والبحيرات والزراعات وانتشرت أمراض الحميات والفشل الكبدى والكلوى والتسمم الغذائى بينما يأكل أفراد النظام وحواريهم ويشربون من الخارج المعقم ذا القيمة الغذائية العالية !!!
5-أن الإعلام المصرى المؤمم (الصحف الحكومية و قنوات التلفاز الأرضية والفضائية) لم يتحمل قدرا ضئيلا من الحرية التى إستنشقها أثناء حملة الإنتخابات الرئاسية فتسمم وعاد الى غرفة العناية المركزة التى تتحدث عن مصر لانعرفها ولانراها وقد فقدت هذه الوسائل الإعلامية المصداقية والثقة وصارت بلا مشاهد واعى عاقل يستطيع أن يتحمل كل هذا الكم من الكذب والفجور الذى تبثه ليلا نهارا !!
إن مصر تحيا مأساة قد تحددت معالمها وانهيارات قد تعددت صورها فتمزقت من الداخل بقدر ما تشوهت من الخارج ولم يبق أمامها وأمام أبنائها المخلصين درأ للمخاطر التى تواجهها إلا خيار واحد هو مقاومة أسباب التدهور بكل السبل المدنية السلمية المشروعة ـ مع الصبر و الثبات ـ وإزاحة كل من أفسد على مصر تاريخها وهدد اليوم مستقبلها وهو ما يستلزم نية خالصة لله لنصرة مصر وهمة عالية للفداء وقدرة عظيمة للصمود ووعى بخطوات الطريق وعوائقه وكيفية التغلب عليها , و ماالنصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق