هوامش علي مشهد الفتنة
فهمى هويدى- الأهرام القاهرية21/ 12/ 2004
نخطيء كثيرا إذا ما طوينا صفحة احداث الفتنة التي أطلت برأسها في مصر طيلة الاسبوعين الماضيين, وإذا ماتجاوزناها بإعتبارها سحابة كدر وانقشعت. ذلك أنني أزعم بأن تلك الأحداث بما شابها من ملابسات وما كشفت عنه من مثالب وعورات, تمثل محطة مهمة في مسيرة الوطن, يتعين الوقوف عندها مليا, والتعامل معها بأعلي درجات الصدق والمسئولية.
(1)
(1)
لا أحد يكاد يصدق أن مصر كلها, بطولها وعرضها وعمقها, اهتزت وتوترت طيلة اسبوعين علي الأقل, بسبب شائعتين مكذوبتين, الأولي ادعت أن رجال الأمن في محافظة البحيرة اختطفوا زوجة كاهن لادخالها في الإسلام, والثانية أن الزوجة اقامت علاقة خاصة مع رئيسها في العمل, وهو مسلم, مما اغراها بالتحول عن دينها, فاختطفها الرجل وأخفاها بعيدا عن أسرتها.سرت الشائعتان في أوساط اقباط مصر سريان النار في الهشيم, وتلقفها نفر من أقباط الخارج, وكان لها صدي مثير اتسم بالاحتجاج والغضب, الذي عبر عن نفسه بصور شتي, تراوحت بين التظاهرات والهتافات التي شهدتها بعض الكنائس الرئيسية في القاهرة, وبين الاشتباك مع رجال الأمن ورشقهم بالحجارة, مما أدي إلي اصابة62 ضابطا وشرطيا ونقلهم إلي المستشفيات. لم يخل الأمر من اصداء في الخارج, تولاها المتربصون والمتصيدون الذين زادوا النار اشتعالا, وراحوا يستثيرون الحكومة الأمريكية والمنظمات الدولية, مطالبين أياهم بالتدخل لإنقاذ اقباط مصر من القهر والإبادة!وإذ تخللت التظاهرات في داخل مصر هتافات ونداءات بعضها كان جارحا لمشاعر المسلمين, والبعض الآخر تطاول علي هيبة الدولة والنظام. إلا أن ذلك فهم بحسبانه من تجليات الغضب غير المنضبط الذي استبد بالجميع, والذي اججه بعض المتعصبين والمتطرفين داخل الكنيسة وخارجها.
ولكن أكثر ما أجج المشاعر ورفع من درجة التوتر أن بطريرك الأقباط, البابا شنودة انضم بدوره إلي الغاضبين, وامتنع عن القاء موعظة الاربعاء(12/8), حين كانت الحشود التي جاءت من كل صوب بانتظاره في مقر البطريركية, لتسمع منه كلمة تهديء الروع وتسكن الخواطر, وخرج من باب خلفي متجها إلي دير وادي النطرون في صحراء مصر, معلنا الاعتكاف هناك ومعبرا عن الاحتجاج بطريقته الصامتة والصاخبة. وحين ذاع الخبر بين رواد الكنيسة المنتظرين, تضاعف الغضب وتحول عند بعض الشباب إلي ثورة جامحة انفلت عيارها علي النحو الذي قدمت.لقد اجتمع في المشهد مختلف عناصر الإثارة. فموضوعها ليس امرأة عادية, وإنما هي زوجة كاهن من رموز الكنيسة. كما أن ما شاع عن كيفية تحولها عن دينها بدا مستفزا, فالأمن أقحم طرفا فيه, أو أن رئيسها المسلم أغراها, وفي المسألة اختطاف واختفاء, اتهمت فيه اجهزة الأمن بالتواطؤ والتستر. وفي غيبة المعلومات الصحيحة لما جري, كانت كل ظروف إشعال الحريق مواتية.
(2)
ولكن أكثر ما أجج المشاعر ورفع من درجة التوتر أن بطريرك الأقباط, البابا شنودة انضم بدوره إلي الغاضبين, وامتنع عن القاء موعظة الاربعاء(12/8), حين كانت الحشود التي جاءت من كل صوب بانتظاره في مقر البطريركية, لتسمع منه كلمة تهديء الروع وتسكن الخواطر, وخرج من باب خلفي متجها إلي دير وادي النطرون في صحراء مصر, معلنا الاعتكاف هناك ومعبرا عن الاحتجاج بطريقته الصامتة والصاخبة. وحين ذاع الخبر بين رواد الكنيسة المنتظرين, تضاعف الغضب وتحول عند بعض الشباب إلي ثورة جامحة انفلت عيارها علي النحو الذي قدمت.لقد اجتمع في المشهد مختلف عناصر الإثارة. فموضوعها ليس امرأة عادية, وإنما هي زوجة كاهن من رموز الكنيسة. كما أن ما شاع عن كيفية تحولها عن دينها بدا مستفزا, فالأمن أقحم طرفا فيه, أو أن رئيسها المسلم أغراها, وفي المسألة اختطاف واختفاء, اتهمت فيه اجهزة الأمن بالتواطؤ والتستر. وفي غيبة المعلومات الصحيحة لما جري, كانت كل ظروف إشعال الحريق مواتية.
(2)
الحقيقة اعلنها بيان النائب العام, الذي نشرته صحف الجمعة الماضي12/17. وكانت مجلة المصور في عدد12/16 قد سبقت بتجلية الأمر, وكذلك العدد الأخير من صحيفة الاسبوع(12/19) البيان الرسمي جاء قاطعا في تكذيب الشائعتين, حيث تبين أنه لم يكن هناك إكراه ولا اختطاف ولا علاقة عاطفية أو غير عاطفية, وأن السيدة وفاء قسطنطين زوجة الكاهن, اختارت طواعية أن تدخل في الإسلام, وأن كل الضجة التي حدثت لم يكن لها ما يبررها, من التظاهرات الغاضبة إلي اعتكاف البابا شنودة في الدير.ورغم وضوح الحقائق الأساسية للقضية إلا أن ثمة هوامش تكمل الصورة وتجلي بعضا من جوانبها التي جري اغفالها لسبب أو آخر, كما أن ثمة إشارات في المشهد ينبغي الوقوف عندها وتسلم رسائلها.
في إطار الهوامش اضيف إلي ما ذكر المعلومات التالية, التي استقيتها من الجهات التي باشرت الموضوع من أوله إلي آخره.* إن فكرة تحول السيدة وفاء قسطنطين(46 عاما) إلي الإسلام خطرت لها منذ سنة ونصف سنة علي الأقل, وبدأت حين تابعت إحدي الحلقات التليفزيونية التي تحدث فيها الدكتور زغلول النجار عن الإعجاز العلمي في القرآن. وقد شجعها ما سمعت منه ومن غيره علي التمعن في الموضوع والتوسع فيه. فقرأت كتبا عدة وسعت من معارفها وجذبتها إلي التعاليم الإسلامية, فتقدمت خطوات أبعد, حيث حفظت سبعا من سور القرآن الطوال, كما حفظت جزء عم كله( تلت بعضا مما حفظته علي مسامع من سألوها), كما صامت الأيام الستة البيض, والتزمت قدر الإمكان بأداء الصلوات الخمس اليومية.
* رعت السيدة وفاء زوجها قس أبو المطامير, الذي قطعت رجله بسبب تفاقم إصابته بمرض السكر, إلي أن استقرت حالته, ووجدت أن ثمة صعوبة في الجمع بين وضعها كزوجة للكاهن, وبين اقتناعها بالتحول إلي الإسلام, فقررت أن تلتحق بأسرة مسلمة في حي السلام بالقاهرة, ارتبطت منذ ايام الدراسة بعلاقة صداقة حميمة مع إحدي بناتها. وقبل ثلاثة أشهر من مغادرتها لبيت زوجها في أبو المطامير هيأت ابنتها شيرين المتخرجة في كلية العلوم لإدارة البيت في غيابها. ودونت لها في دفتر خاص ما يتعين عليها عمله لكي لايختل شيء في وضع البيت.
في إطار الهوامش اضيف إلي ما ذكر المعلومات التالية, التي استقيتها من الجهات التي باشرت الموضوع من أوله إلي آخره.* إن فكرة تحول السيدة وفاء قسطنطين(46 عاما) إلي الإسلام خطرت لها منذ سنة ونصف سنة علي الأقل, وبدأت حين تابعت إحدي الحلقات التليفزيونية التي تحدث فيها الدكتور زغلول النجار عن الإعجاز العلمي في القرآن. وقد شجعها ما سمعت منه ومن غيره علي التمعن في الموضوع والتوسع فيه. فقرأت كتبا عدة وسعت من معارفها وجذبتها إلي التعاليم الإسلامية, فتقدمت خطوات أبعد, حيث حفظت سبعا من سور القرآن الطوال, كما حفظت جزء عم كله( تلت بعضا مما حفظته علي مسامع من سألوها), كما صامت الأيام الستة البيض, والتزمت قدر الإمكان بأداء الصلوات الخمس اليومية.
* رعت السيدة وفاء زوجها قس أبو المطامير, الذي قطعت رجله بسبب تفاقم إصابته بمرض السكر, إلي أن استقرت حالته, ووجدت أن ثمة صعوبة في الجمع بين وضعها كزوجة للكاهن, وبين اقتناعها بالتحول إلي الإسلام, فقررت أن تلتحق بأسرة مسلمة في حي السلام بالقاهرة, ارتبطت منذ ايام الدراسة بعلاقة صداقة حميمة مع إحدي بناتها. وقبل ثلاثة أشهر من مغادرتها لبيت زوجها في أبو المطامير هيأت ابنتها شيرين المتخرجة في كلية العلوم لإدارة البيت في غيابها. ودونت لها في دفتر خاص ما يتعين عليها عمله لكي لايختل شيء في وضع البيت.
* بعدما رتبت أمر بيتها بصورة نسبية, لجأت السيدة وفاء الي أسرة صديقتها في القاهرة, وفي اليوم الأول من الشهر الحالي ذهبت مرتدية الحجاب بصحبة صديقتها وزميلتها القديمة إلي قسم الشرطة في الحي طالبة إشهار إسلامها. وحين استمع الضابط المختص إلي قصتها, وعرف أنها زوجة لكاهن, أدرك أن للأمر حساسية خاصة, فلم يشأ أن يستمر في الاجراءات الروتينية المتبعة في مثل هذه الحالة, وأبلغ رئاسته بالموقف.
* الإجراء المتبع في هذه الحالة, الذي تنص عليه التعليمات الإدارية, ألا يتم تسجيل إشهار تغيير الدين, إلا إذا رتب للشخص المتحول جلسة أو أكثر مع بعض رجال الدين الذي ينتمي إليه, معروفة باسم جلسات إسداء النصيحة وبناء علي ذلك تم إخطار مطران البحيرة بالامر.* كانت تلك بداية مشكلة نشأت بين مطران البحيرة وبين جهاز الأمن. فقد رفض المطران فكرة عقد جلسة أو جلسات إسداء النصح, وطلب تسليم السيدة وفاء للكنيسة الارثوذوكسية. في حين أن جهاز الأمن كان ملتزما بالتعليمات الإدارية, ولم يكن مخولا في تجاوزها. واستمر هذا التجاذب لمدة خمسة أيام, في الفترة من3 إلي12/8. وهي الفترة التي انتشرت فيها الشائعات واتهم جهاز الأمن بخطف السيدة والتستر عليها, كما اتهم من جانب البعض بتعمد تعويق تسليمها الي الكنيسة, في حين أن مسئوليه لم يفعلوا أكثر من التزامهم بالتعليمات الصادرة في الموضوع.
* في هذه الاثناء رتبت بعض قيادات الكنيسة الارثوذوكسية التظاهرة التي حدثت أثناء القداس الذي أقيم بمناسبة وفاة الزميل سعيد سنبل, وجري استدعاء عناصر متعددة من مختلف انحاء البلاد. وفي حضور عدد من كبار المسئولين عبرت الحشود عن غضبها ورفعت لافتات الاحتجاج وبدا أن الموقف موشك علي الإنفلات أو الانفجار.* حينئذ رؤي تسليم السيدة وفاء إلي الكنيسة. وتم الاتفاق علي إيداعها في بيت بضاحية عين شمس بالقاهرة. مخصص لإقامة السيدات اللاتي يجري إعدادهن للإنخراط في سلك الرهبنة( المكرسات) وكان ظنها أنها ذاهبة لكي تشهد جلسات إسداء النصح, ولذلك استغرق الأمر بعض الوقت لاقناعها بأخذ حوائجها والانتقال إلي بيت عين شمس( ذكرت صحيفة الاسبوع في12/19 أنها كانت صائمة في ذلك اليوم, وطلبت تأجيل الموعد لحين الإفطار وأداء صلاة المغرب).* مساء يوم12/8 خرجت السيدة وفاء من مقر اقامتها مرتدية حجابها, وسلمت إلي بيت( المكرسات) في ضاحية عين شمس الذي أغلقت أبوابه ونوافذه.. وانقطعت صلة الأجهزة المختصة بها, بينما ظل كبار رجال الكنيسة يترددون عليه طول الوقت. وبعد ظهر يوم12/14, بعد ستة أيام خرجت السيدة وفاء من البيت مرتدية غطاء الرأس( إيشارب) عليه صورة السيدة العذراء, في حين تدلي علي صدرها صليب كبير, حيث حملتها سيارة سوداء الي مقر نيابة عين شمس, مصحوبة ببعض المحامين الأقباط وعدد من القصص, وأمام وكيل النيابة, وخلال أربع دقائق قالت السيدة وفاء بصوت إنها ولدت مسيحية وعاشت وسوف تموت مسيحية. وهو ما اعتبر من الناحية القانونية عدولا من جانبها عن طلب إشهار إسلامها, وعند هذا الحد انتهي دور أجهزة الأمن, وحملت السيدة في سيارة اتجهت بها إلي دير وادي النطرون, ومن ثم أسدل الستار علي هذا الفصل من القصة.
(3)
* الإجراء المتبع في هذه الحالة, الذي تنص عليه التعليمات الإدارية, ألا يتم تسجيل إشهار تغيير الدين, إلا إذا رتب للشخص المتحول جلسة أو أكثر مع بعض رجال الدين الذي ينتمي إليه, معروفة باسم جلسات إسداء النصيحة وبناء علي ذلك تم إخطار مطران البحيرة بالامر.* كانت تلك بداية مشكلة نشأت بين مطران البحيرة وبين جهاز الأمن. فقد رفض المطران فكرة عقد جلسة أو جلسات إسداء النصح, وطلب تسليم السيدة وفاء للكنيسة الارثوذوكسية. في حين أن جهاز الأمن كان ملتزما بالتعليمات الإدارية, ولم يكن مخولا في تجاوزها. واستمر هذا التجاذب لمدة خمسة أيام, في الفترة من3 إلي12/8. وهي الفترة التي انتشرت فيها الشائعات واتهم جهاز الأمن بخطف السيدة والتستر عليها, كما اتهم من جانب البعض بتعمد تعويق تسليمها الي الكنيسة, في حين أن مسئوليه لم يفعلوا أكثر من التزامهم بالتعليمات الصادرة في الموضوع.
* في هذه الاثناء رتبت بعض قيادات الكنيسة الارثوذوكسية التظاهرة التي حدثت أثناء القداس الذي أقيم بمناسبة وفاة الزميل سعيد سنبل, وجري استدعاء عناصر متعددة من مختلف انحاء البلاد. وفي حضور عدد من كبار المسئولين عبرت الحشود عن غضبها ورفعت لافتات الاحتجاج وبدا أن الموقف موشك علي الإنفلات أو الانفجار.* حينئذ رؤي تسليم السيدة وفاء إلي الكنيسة. وتم الاتفاق علي إيداعها في بيت بضاحية عين شمس بالقاهرة. مخصص لإقامة السيدات اللاتي يجري إعدادهن للإنخراط في سلك الرهبنة( المكرسات) وكان ظنها أنها ذاهبة لكي تشهد جلسات إسداء النصح, ولذلك استغرق الأمر بعض الوقت لاقناعها بأخذ حوائجها والانتقال إلي بيت عين شمس( ذكرت صحيفة الاسبوع في12/19 أنها كانت صائمة في ذلك اليوم, وطلبت تأجيل الموعد لحين الإفطار وأداء صلاة المغرب).* مساء يوم12/8 خرجت السيدة وفاء من مقر اقامتها مرتدية حجابها, وسلمت إلي بيت( المكرسات) في ضاحية عين شمس الذي أغلقت أبوابه ونوافذه.. وانقطعت صلة الأجهزة المختصة بها, بينما ظل كبار رجال الكنيسة يترددون عليه طول الوقت. وبعد ظهر يوم12/14, بعد ستة أيام خرجت السيدة وفاء من البيت مرتدية غطاء الرأس( إيشارب) عليه صورة السيدة العذراء, في حين تدلي علي صدرها صليب كبير, حيث حملتها سيارة سوداء الي مقر نيابة عين شمس, مصحوبة ببعض المحامين الأقباط وعدد من القصص, وأمام وكيل النيابة, وخلال أربع دقائق قالت السيدة وفاء بصوت إنها ولدت مسيحية وعاشت وسوف تموت مسيحية. وهو ما اعتبر من الناحية القانونية عدولا من جانبها عن طلب إشهار إسلامها, وعند هذا الحد انتهي دور أجهزة الأمن, وحملت السيدة في سيارة اتجهت بها إلي دير وادي النطرون, ومن ثم أسدل الستار علي هذا الفصل من القصة.
(3)
الملابسات والأصداء أهم من الواقعة وأخطر. فتحول امرأة أورجل عن دينه أمر لم يعد مستغربا, بل صار واردا في هذا الزمان, ولدي الجهات المختصة في مصر قائمة بحالات عديدة كانت في مثل حساسية موضوع السيدة وفاء, تمت معالجتها في هدوء,وبغير خسائر تذكر.وحين وقعت علي بعض تلك الحالات استوقفني أمران, أولهما أنه حدث تسرع غير مألوف في نقل القضية إلي الرأي العام في الداخل والخارج, فضلا عن أن ذلك تم بصورة مشوهة ومستفزة, وثانيهما أن ردود الأفعال اعتمدت أسلوب التصعيد والصدام ولي الذراع, وذلك يعد تطورا نوعيا يثير عديدا من التساؤلات حول حقيقة دور الكنيسة, وما إذا كانت تمثل قيادة روحية أم قيادة سياسية, وتمتد تلك التساؤلات لتشمل طبيعة علاقة الكنيسة بالدولة, وحدود التزاماتها بالقانون والنظام العام.
هذه ملاحظة أولي علي المشهد. الملاحظة الثانية أن ما جري كان في شق كبير منه نتيجة غياب المعلومات الصحيحة عن الرأي العام. ومن أسف أن الإعلام المصري فشل في الاختبار, وعجز عن تقديم تلك المعلومات الصحيحة للناس في الوقت المناسب, مما اسهم في البلبلة وترويج الشائعات.الملاحظة الثالثة أن المجتمع بدوره رسب في الاختبار. ذلك أننا طوال الفترة التي ظهرت فيها المشكلة علي السطح, في الفترة من أول ديسمبر إلي14 منه, كان طرفا الموضوع هما الكنيسة الارثوذوكسية والأجهزة الأمنية. ولم نسمع صوتا لأي مؤسسة أخري في المجتمع, لا الأزهر ولا الاحزاب ولا منظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق الإنسان. حتي عقلاء الأقباط التزموا الصمت واكتفوا بمشاهدة المباراة من مقاعد المتفرجين. وإزاء ذلك فإنني أزعم أن الحدث كان بمثابة لحظة كاشفة, فاجأتنا بحقيقة الفراغ السياسي الكبير الذي تعيشه مصر, والذي وجدت الداخلية نفسها مضطرة إلي ملئه كيفما اتفق.
ملاحظتي الرابعة أن حالة الغضب المبالغ فيها التي عبر عنها الأقباط المتظاهرون تدل علي أن ثمة احتقانا متراكما يتعين الاعتراف بوجوده,وتحري أسبابه وجذوره, كما ينبغي التعامل معه بكل جدية ومسئولية, لأن التأجيل من شأنه أن يكرر مثل الأزمة التي مررنا بها.
(4)
هذه ملاحظة أولي علي المشهد. الملاحظة الثانية أن ما جري كان في شق كبير منه نتيجة غياب المعلومات الصحيحة عن الرأي العام. ومن أسف أن الإعلام المصري فشل في الاختبار, وعجز عن تقديم تلك المعلومات الصحيحة للناس في الوقت المناسب, مما اسهم في البلبلة وترويج الشائعات.الملاحظة الثالثة أن المجتمع بدوره رسب في الاختبار. ذلك أننا طوال الفترة التي ظهرت فيها المشكلة علي السطح, في الفترة من أول ديسمبر إلي14 منه, كان طرفا الموضوع هما الكنيسة الارثوذوكسية والأجهزة الأمنية. ولم نسمع صوتا لأي مؤسسة أخري في المجتمع, لا الأزهر ولا الاحزاب ولا منظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق الإنسان. حتي عقلاء الأقباط التزموا الصمت واكتفوا بمشاهدة المباراة من مقاعد المتفرجين. وإزاء ذلك فإنني أزعم أن الحدث كان بمثابة لحظة كاشفة, فاجأتنا بحقيقة الفراغ السياسي الكبير الذي تعيشه مصر, والذي وجدت الداخلية نفسها مضطرة إلي ملئه كيفما اتفق.
ملاحظتي الرابعة أن حالة الغضب المبالغ فيها التي عبر عنها الأقباط المتظاهرون تدل علي أن ثمة احتقانا متراكما يتعين الاعتراف بوجوده,وتحري أسبابه وجذوره, كما ينبغي التعامل معه بكل جدية ومسئولية, لأن التأجيل من شأنه أن يكرر مثل الأزمة التي مررنا بها.
(4)
ما العمل ؟ـ لست الأقدر علي إجابة السؤال ـ لكني أقترح مدخلين للتعامل مع الموضوع, أولهما يدعو إلي عدم السماح للمتعصبين والمتطرفين والعناصر المشبوهة في الداخل أو الخارج بخطف الملف والحديث باسمه. وذلك لن يحدث إلا إذا تقدم الصفوف العقلاء الغيورون علي مصالح الوطن وكرامة أهله, وأثبتوا حضورا في مشهد الحل.وثانيهما أن يرصد الاحتقان في الساحة المصرية كلها, وليس لدي فئة دون أخري, حتي إذا ما ثبت أن الاحتقان في الساحة القبطية فرع عن أصل في مجمل الشارع المصري, فربما نبهنا ذلك إلي أننا بصدد أزمة مجتمع لا أزمة فئة بذاتها فيه. ولربما بدا الحل الديمقراطي لأزمة المجتمع, الذي يجعل الجميع شركاء في صناعة حاضره ومستقبله, بابا للتعامل مع الأصل, الأمر الذي يعالج ما تفرع عنه, فيستأصل الاحتقان فيه أو يخفف من حدته.يتداول بعض المثقفين المصريين اقتراحا يتحدث عن لجنة للحكماء يمثل فيها الطرفان, وتتولي معالجة المشكلات العارضة التي تنشأ بين الحين والآخر. وهو اقتراح لا أجد له مبررا لأن الأمر أكبر من أن تتصدي له لجنة اهلية. فضلا عن أن في مصر مجلسا قوميا لحقوق الانسان, يضم نخبة طيبة من أهل الخبرة والثقة, وبه شعبة مختصة بالحقوق المدنية, تستطيع أن تنهض بما يراد للجنة المقترحة أن تقوم به. علما بأن المشكلة في بعض جوانبها ليست في مجرد تقدير الحقوق وإنما تكمن في قوة مؤسسة الدولة ومدي هيبتها, وفي استعداد الأطراف المختلفة لاحترام النظام العام والانصياع للقانون, كما أنها تكمن في غيبة المشروع السياسي الذي يستنهض همم الجميع ويصهرها في بوتقة الوطن, لكي يوظفها لصالح حلم النهضة والتقدم المشترك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق