١٥ ديسمبر ٢٠٠٥

د. علاء الاسوانى متعجبا .. كيف يمكن لأحد أن يضرب القاضى؟؟؟

باقة ورد لرجل عظيم
د. علاء الاسوانى-العربى 11/12/2005
.... لم أصدق عينى وأنا أقرأ الخبر فى الصحف: كان المستشار أحمد عبد الخالق الصيفى يرأس لجنة للانتخابات فى كفر الشيخ وفجأة، اقتحم اللجنة مجموعة بلطجية فى حماية رجال الشرطة، وحاولوا كما فعلوا فى معظم اللجان أن يخطفوا صناديق الاقتراع ليغيروا الأصوات فى صالح مرشحى الحزب الوطني، وعندما قام المستشار أحمد الصيفى بواجبه وحاول أن يمنعهم..صفعه الضابط على وجهه عدة مرات وأمر الجنود فانهالوا عليه ضربا حتى سقط على الأرض غارقا فى دمائه وبرغم ذلك لم يرحمه الضابط فظل يدهسه بحذائه.. وهو يرقد الآن فى المستشفى مصابا بجروح قطعية و كسور مضاعفة فى العظام.. وما حدث للقاضى الجليل حدث لعشرات من زملائه، تم ضربهم واهانتهم وسبهم بواسطة البلطجية والضباط لأنهم رفضوا الاشتراك فى التزوير.. ... هناك ألفاظ فى اللغة تحمل تضادا بحيث يستحيل استعمالها معا.. لا يمكن أن نكتب كلمة ضرب بجوار كلمة قاض..كيف يمكن لأحد أن يضرب القاضى؟.. من الذى يطاوعه قلبه ويمد يده ليصفع القاضي..؟ ان احترام القضاة سلوك عميق فى تراث المصريين.. قد يتظاهر المصرى باحترام رئيسه فى العمل طمعا فى ترقية، وقد يتظاهر باحترام ضابط الشرطة خوفا من بطشه.. لكنه يحترم القاضى من قلبه، لاخوفا ولا طمعا، لأننا عندما نحترم القضاة نحترم أنفسنا ونحترم المعانى التى يمثلها القضاء:الحق والعدل والقانون.. كيف يجرؤ انسان على أن يصفع قاضيا على وجهه..؟..لو حدثت هذه الواقعة المشينة فى أى بلد متحضر لأسقطت الحكومة كلها..لكنها تحدث فى مصر فلا تقلق الرئيس مبارك ولا ولده ولا وزراءه.. ولاتقلق حتى وزير العدل الذى يطالعنا كل صباح بعبارات انشائية عن تقدير الرئيس مبارك للقضاة.. الواضح ياسيادة الوزير إنه يقدرهم للغاية.. لقد تعاقبت على مصر حكومات كثيرة، اختلفت فى توجهاتها وأدائها واخلاصها، لكن القضاة لم يتم ضربهم ودهسهم بالأحذية، الا فى هذه الأيام السوداء التى تعيشها مصر تحت أسوأ حكم فى تاريخها..ان ضرب القضاة وقتل المواطنين بالرصاص لمنعهم من التصويت واستئجار البلطجية لسفك دماء الأبرياء وهتك عرض الصحفيات فى الشارع كما حدث مؤخرا للصحفية أسماء حريز من جريدة الكرامة..كل هذه الجرائم البشعة التى أسفرت عنها الانتخابات الأخيرة لا بد أن تجعلنا نسأل: من يحكم مصر بالضبط..؟ آن الأوان لكى نسمى الأشياء بأسمائها.. فالذين يحكمون مصر ليسوا دولة ولاحكومة ولا نظاما سياسيا وانما مجموعة أشخاص لم ينتخبهم أحد ولا يريدهم أحد الا المنتفعون بهم، وقد فشلوا فى كل المجالات حتى أوصلوا بلادنا الى الحضيض، وهم يحتفظون بالسلطة بواسطة القمع والتزوير.. ان الحكم فى مصر قوة احتلال...يعرف القاموس الاحتلال باعتباره: الاستيلاء على مقدرات بلد ما بواسطة القوة المسلحة، على غير ارادة المواطنين.... ولا يوجد أفضل من هذه العبارة لوصف النظام المصري..ان بلادنا محتلة، ليس بواسطة قوى أجنبية وانما بواسطة مجموعة مصريين.على أن الجريمة فى الحالتين واحدة.. اغتصاب السلطة ونهب خيرات البلد وقمع الناس واذلالهم وافقارهم.. علينا الآن أن نراجع مطالبنا.. فالمطلوب ليس اصلاحا ولا تغييرا وانما المطلوب تحرير السلطة من مغتصبيها..لقد أثبتت الانتخابات أن هذا النظام قد فقد شرعيته وشعبيته معا.. والدليل أنه برغم التزوير والبلطجة خسر الحزب الوطنى نصف المقاعد أمام الاخوان والمستقلين.. ولو أجريت انتخابات حقيقية لخسر الحزب الوطنى مقاعده جميعا.... ونذكر هنا أنه أثناء مسرحية الانتخابات الرئاسية الهزلية.. أعلن قاض عظيم آخر هو المستشار أحمد صالح عبد الحميد، فى لجنة بمحافظة العريش، أنه سيعلن نتيجة الفرز على الملأ قبل أن يرسلها الى لجنة ممدوح مرعى الحكومية.. فماذا كانت نتيجة التصويت..؟.. طبقا لجريدة التجمع، رسب حسنى مبارك فى هذه اللجنة وحاز أيمن نور على أغلب أصوات الناخبين.. ثم عملت لجنة مرعى عملها فتغيرت النتيجة الى العكس وأعلن فوز الرئيس مبارك.. ولاعجب فى ذلك، فالطبيعى أن يصوت المصريون ضد من أفقروهم وأذلوهم ونهبوا أموالهم.. ولولا مباحث أمن الدولة والأمن المركزى لما بقى النظام فى الحكم يوما واحدا.... و نذكر هنا، مع الأسف، ان القوات البريطانية قد احتلت مصر ثمانين عاما، لم يتم خلالها الاعتداء على قاض مصرى واحد ولم ينتهك عرض مواطنة واحدة أمام زوجها كما يحدث يوميا فى عهد حكوماتنا الوطنية..بل ان حادثة دنشواى التى درسناها ونحن أطفال فى المدرسة كدليل على اجرام الاحتلال البريطانى تتحول الى مداعبة خفيفة اذا قارناها بالجرائم البشعة التى يرتكبها جلادو أمن الدولة فى حق زملائهم فى الوطن.. كان أبى عباس الأسواني، رحمه الله، مناضلا كمعظم أبناء جيله ضد الانجليز والقصر، فلما احترقت القاهرة عام 1952 لفقت ضده تهمة خطيرة:التحريض على حريق القاهرة وعقوبتها الاعدام، فتم ايداعه مع رفاقه المناضلين فى سجن الأجانب..وكانت أسرته تبعث له كل يوم بوجبة غداء ساخنة، أحيانا من البيت وأحيانا من محل جروبي، مع سجائره المفضلة والجرائد التى يحب أن يطالعها.. ومازالت عندى صور لوالدى وهو يلعب كرة القدم مع زملائه المعتقلين ويشترك معهم فى عروض مسرحية.. تلك كانت أيام الاحتلال البريطانى البغيضة فماذا نسمى أيامنا هذه..؟! اننى أحمد ربنا كثيرا لأن أبى اعتقل أيام الملك الفاسد والاحتلال الانجليزي.. ولو أنه اعتقل تحت حكم مبارك لكان قد تعرض مع أسرته، للتعذيب والكهربة ونزع الأظافر وهتك العرض الذى يقترف كل يوم فى حق المصريين الأبرياء..على أن جرائم النظام فى الانتخابات بقدر بشاعتها، قد أضاءت لنا طاقة أمل: القاضية العظيمة نهى الزينى تحولت بشهادتها الشجاعة الى أم للمصريين جميعا ورمز للحق والحرية..و القضاة الأجلاء: محمود الخضيرى وهشام جنينه وهشام بسطويسى الذى رفض تعيينه فى محكمة القيم ومحمود مكى وزكريا عبد العزيز ومحمد دربالة واسلام علم الدين..وغيرهم عشرات من تلاميذ شيخ القضاء يحيى الرفاعي.. أبطال حقيقيون ظهروا فجأة ليدافعوا عن العدل والحرية.. أتابعهم، مثل المصريين جميعا، بحب واعجاب وأتساءل: أين كانوا من زمان..؟.. وكأن مصر العظيمة التى لا تتوقف لحظة عن الابداع، قد أنجبتهم وأخفتهم عن الأعين وادخرتهم حتى اللحظة المناسبة ليقودوا الشعب فى نضاله من أجل الديمقراطية.. أخيرا.. يبقى أن قاضيا جليلا يرقد الآن فى المستشفى وقد تحطمت عظامه وهو يدافع عن حق المصريين فى انتخاب من يحكمهم.. لا أعرف ماذا نفعل له..؟ هل يكفى أن نشكره..؟ أن نزوره..؟ أن نذكره بالخير..؟.. لقد أصر هذا القاضى على الدفاع عن أصوات الناخبين التى اؤتمن عليها، ولو أنه خان الأمانة وسكت على التزوير لسلم ولربما تم تعيينه محافظا أو وزيرا كما حدث مع سواه، لكنه اختار الحق، كان يظن أنه قاض فى دولة محترمة يحكمها القانون، وعندما تلقى الصفعة الأولى على وجهه بدا وكأنه لايصدق، لكن الضابط صفعه ثانيا وثالثا وأمر الجنود فضربوه ودهسوه بالأحذية، عندئذ، أدرك القاضى أبعاد المحنة وتحملها كالرجال،تكسرت عظامه وهو صامت،وكأنما يؤكد للجلادين أنه مستعد للموت دفاعا عن واجبه.. ماذا قال القاضى لأفراد أسرته عندما عاد اليهم محمولا غارقا فى دمائه..؟..هل قال لهم ان القانون الذى طالما حدثهم عنه باعتزاز لم يحمه من الضرب والدهس بالأحذية..؟ هل حكى لأطفاله تفاصيل الاعتداء عليه أم تهرب من أسئلتهم أم أنهم من فرط حبهم له وخوفهم على شعوره أعفوه من الحرج فلم يسألوه.... أيها القاضى العظيم.. لن ننساك أبدا لأنك دافعت عن حقنا فى أن نكون أحرارا، مصر تحبك بقدر ما أحببتها.. مصر كلها صفعت لما صفعت وجرحت لما جرحت ودهست بالأقدام لما دهست..سيادة المستشار.. أرجوك لا تحزن فأنت أعظم ألف مرة من الحثالة التى اعتدت عليك..لا تخجل مما حدث لك. ان جروحك ياصديقى ما هى الا أوسمة تدل على مدى شرفك ونبلك وحبك لبلادك..وفى يوم صار وشيكا، سوف يحاسب المجرمون على ما فعلوه بك وبالمصريين جميعا.... سيادة المستشار أحمد عبد الخالق الصيفي.. ..باقة ورد لرجل عظيم..

ليست هناك تعليقات: